بايدن يخاطر بإرثه الرئاسي سعياً وراء ولاية أخرى

“مكتب الإعلام “وكالات:

مع قيام أكثر من 100 ألف شخص بالإدلاء بأصواتهم ضد الرئيس الحالي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الأسبوع الماضي في ميشيغان، وهي ولاية متأرجحة ضرورية لإعادة انتخابه؛ فإن حكمة قرار جو بايدن مواجهة الناخبين في نوفمبر تخضع مرة أخرى لتدقيق مكثف. ومن الناحية التاريخية لم يفت الأوان بعدُ لكي يتخلى الرئيس طواعية عن محاولته إعادة انتخابه، ويجب عليه أن يعرف ذلك، فقد فاجأ رئيسان ديمقراطيان آخران الأمة بإعلانهما في شهر مارس من العام الانتخابي أنهما لن يسعيا لولاية جديدة.

إن التحديات الهائلة التي واجهت هاري ترومان وليندون جونسون (الحروب في كوريا وفيتنام) لا تتشابه جوهرياً مع مأزق بايدن الحالي. ولكن السؤال الذي يواجهه بايدن الآن هو نفسه: هل يجب عليه المخاطرة بإرثه الرئاسي من خلال السعي إلى فترة ولاية أخرى؟ إن أحداث عامي 1952 و1968 كانت بمثابة دليل على اتخاذ قرار صعب ووحيد بقدر ما كانت بمثابة تحذير، فبعد خسارة المزايا التي يجلبها شغل المنصب، خسر الحزب الديمقراطي الانتخابات التي تلت ذلك، وتولى الجمهوريون الرئاسة.

فالحرب الكورية التي بدأت بهجوم كوريا الشمالية المفاجئ على جارتها الجنوبية في عام 1950 من شأنها أن تجعل من ترومان (الفائز في انتخابات 1948) رئيساً لا يحظى بشعبية كبيرة. وبحلول عام 1952 وصلت الحرب إلى طريق مسدود، وكان ترومان يبلغ من العمر 67 عاماً، أي أكبر من عمر فرانكلين روزفلت عندما توفي في منصبه عام 1945، لكنه كان يتمتع بصحة جيدة بما يكفي بحيث لا يعتبر عمره عائقاً سياسياً، ولكن ترومان كان مستعداً لإنهاء رئاسته.

وعلى الرغم من أن ترومان كان غير ملتزم علناً في يناير 1952 بشأن السعي لإعادة انتخابه، فإن العديد من المطلعين كانوا يعرفون حتى قبل بداية العام الانتخابي أنه كان يفكر في التقاعد وفي إرثه. وفي أكتوبر 1951 التقى برئيس المحكمة العليا فريد فينسون، ومساعده كلارك كليفورد، ليقدم ترومان لفينسون دعمه الكامل إذا ترك الأخير المحكمة العليا للترشح للرئاسة. وفي أواخر يناير كتب ترومان إلى طفلته الوحيدة المحبوبة مارغريت: «لن يُحسب والدك أبداً من بين (العظماء)، ولكن يمكنك التأكد من أنه بذل (أفضل ما لديه) وقدم كل ما لديه لبلاده». وفي الوقت نفسه وفي شهر يناير أيضاً، أسرّ ترومان لأحد الرجال الطموحين المحيطين به، وهو وزير التجارة أفريل هاريمان، بأنه من المرجح لن يترشح.

لقد أدرك ترومان أن سلطته السياسية كانت تتآكل، وبحلول أوائل عام 1952 وفقاً لاستطلاعات الرأي في ذلك الوقت، لم يكن حتى خيار معظم أعضاء حزبه، وفي 23 يناير أعلن السيناتور إستس كيفوفر، وهو ديمقراطي من ولاية تينيسي، أنه سيتحدى ترومان في الترشح، ولكن التخلي عن احتمال إعادة الانتخاب كان صعباً. وفي 18 فبراير جمع ترومان دائرته الداخلية لتناول العشاء ومناقشة ما يجب عليه فعله، وانقسم مستشاروه. وانتظر ترومان الذي كان حاسماً بشكل مميز الإعلان عن نواياه، وتسبب في إحراج سياسي إضافي من خلال الأداء السيئ في الانتخابات التمهيدية الأولى. وفي وقت سابق من ذلك العام قام السياسيون في نيو هامبشاير بتغيير قواعد الانتخابات التمهيدية الأولى في البلاد للسماح للناخبين باختيار المرشحين الرئاسيين مباشرةً بدلاً من انتخاب مندوبين للتصويت لاحقاً في مؤتمر الحزب. وربما كان ترومان يأمل في الخروج منتصراً. وفي 11 مارس خسر ترومان أمام كيفوفر، وبعد أكثر من أسبوعين بقليل في 29 مارس أعلن ترومان تقاعده. وكما تبين في ما بعد لم يصبح كيفوفر ولا فينسون، المفضل لدى الرئيس، هو المرشح. وقاد حاكم ولاية إلينوي أدلاي ستيفنسون حزب ترومان في نوفمبر من ذلك العام.

عملية سرية

مثل ترومان بدأ الرئيس ليندون جونسون يفكر في التقاعد قبل أشهر من اتخاذ قراره والإعلان عنه، ومثل ترومان أيضاً كانت قاعدته الانتخابية تتقلص بسبب الحرب التي لا تحظى بشعبية في آسيا، ولكن عملية جونسون كانت أكثر سرية، وأكثر دراماتيكية، وأكثر عاطفية من عملية ترومان.

في ذهن جونسون كانت مسألة تقاعده مرتبطة بشكل مباشر بما يجب فعله بشأن حربه التي لا تحظى بشعبية، وكان جونسون مقتنعاً بأن هانوي لن تدخل أبداً في مفاوضات جادة مع واشنطن إذا اعتقد قادة فيتنام الشمالية أن الرئيس الأميركي يسعى لتحقيق مكاسب سياسية فقط في عام الانتخابات الرئاسية وليس تسوية دائمة. وفي أواخر عام 1967، قبل نحو عام من الانتخابات، سأل جونسون الجنرال ويليام ويستمورلاند عن تأثير تقاعده على معنويات القوات في فيتنام. وأكد له ويستمورلاند أن القوات ستواصل القتال. وفي منتصف يناير 1968 طلب جونسون من هوراس باسبي، كاتب خطاباته المفضل، بالتزام السرية، قائلاً له: «لقد اتخذت قراري. لا أستطيع تحقيق السلام في فيتنام وأن أكون رئيساً أيضاً». وطلب منه جونسون أن يكتب خاتمة سرية لخطاب حالة الاتحاد الذي كان من المقرر أن يلقيه جونسون في 17 يناير لإعلان تقاعده. وقد كتب البيان لكن جونسون لم يستخدمه.

تصويت احتجاجي

بحلول أواخر مارس 1968 واجه منافسين من الحزب الديمقراطي، هما السيناتور يوجين مكارثي والسيناتور روبرت كينيدي، وفي الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير بلغت نسبة التصويت الاحتجاجي ضد جونسون ما يقرب من 42%، وقام مرة أخرى بتكليف باسبي بكتابة إعلان تقاعد سري، والذي سيلحقه بخطاب تلفزيوني وطني كان من المقرر أن يلقيه ليلة 31 مارس حول فيتنام. وفي الأسابيع التي تلت خطاب حالة الاتحاد، نجح الرئيس في تسوية الجدل بين مستشاريه لصالح عرض على هانوي بوقف القصف الأميركي، حيث يعيش 90% من السكان، مقابل بدء مفاوضات جادة. ولم يستطلع آراء كبار مستشاريه حول ربط هذه السياسة الجديدة بإعلان التقاعد.

وتلعب العائلات الرئاسية دوراً مهماً جداً في لحظات القرار هذه. وريتشارد نيكسون، الرئيس الوحيد الذي استقال من منصبه، تحدث فترة وجيزة عن الاستقالة عندما أثار الاحتمال مع عائلته في الأيام الأولى من أغسطس 1974. وفي 31 مارس بعد أن أخبر جونسون عائلته على الغداء بما كان يفكر فيه، جادلت بنتاه بحماس من أجل بقائه. وكتبت بيرد جونسون في مذكراتها: «كنا عاطفيين ومذهولين»، متابعة: «ماذا يفعل هذا لجنودنا؟».

وكان زوجا ابنتي جونسون يخدمان في الجيش الأميركي، وكان رد فعل السيدة الأولى آنذاك أكثر حذراً، قائلة: «وأنا، بماذا شعرت؟ غير متأكدة من المستقبل لدرجة أنني لن أجرؤ على محاولة إقناعه بطريقة أو بأخرى». وهناك سبب للاعتقاد بأن زوجة الرئيس جونسون لم تكن بحاجة إلى فعل الكثير.

ومن الناحية التاريخية لم يفُت الأوان بعدُ لكي يتخلى بايدن طواعية عن محاولته إعادة انتخابه.

كما أدرك ترومان أن سلطته السياسية كانت تتآكل، ولكن التخلي عن إعادة الانتخاب كان صعباً