العميد/ ثابت حسين صالح
عرف التاريخ أنواع كثيرة من الحروب: الحرب التقليدية والكيماوية والنووية والبيولوجية وحرب الناقلات النفطية وحرب العبوات الناسفة…الخ.
لكن الحرب التي نحن بصدد تناولها هنا بعجالة، هي أقذر أنواع الحروب لأنها موجهة ضد عامة الناس الأبرياء ألا وهي حرب الخدمات.
استخدمت هذه الحرب ضد الجنوب لأول مرة أثناء حرب ١٩٩٤م، والذين عاشوا هذه الفترة أو قرأوا تاريخ هذه الحرب يتذكرون جيدا تصريح وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة صنعاء حينها عبد القادر باجمال “أن مياه الشرب في عدن الآن تحت مرمى نيران مدفعية قوات الشرعية”.
أتذكر وأنا حينها الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في الجنوب أن نائب الرئيس حينها المناضل الجنوبي البارز عبد الرحمن الجفري تواصل معي هاتفيا وكان مستاء جدا من هذا التصريح، وقلت له أن هذا هو بمثابة إعلان لحرب قذرة ضد شعب الجنوب هي حرب الخدمات.
ولم تمضي ساعات حتى تم ضرب محطات المياه والكهرباء والمصافي بل وحتى محطات البترول في أحياء عدن.
ومن حينها ظلت عدن تعاني من ويلات هذه الحرب وإن بشكل تدريجي.
حيث جرى تدمير البنية التحتية مقابل توسع عشوائي في البناء المعماري دون أن يرافقه أي تجديد للبنية التحتية أو حتى الحفاظ على المشاريع التي كانت أساسا قائمة قبل هذه الحرب.
لم يعرف الناس في عدن ما يسمى بـ “الوايتات” أي صهاريج المياه وحفر “بيارات” للبيوت بدلا من شبكة الصرف الصحي وانتشار أصوات المواطير.. إلا بعد حرب ١٩٩٤م.
وهكذا تآكلت وتضاءلت خدمة الكهرباء والمياه في عدن لتصبح ساعات قليلة وتمسي إحياء عدن في ظلام دامس تطبيقا لشعار “سنرجع عدن قرية”.
أما حرب الخدمات المرافقة والوارثة لحرب ٢٠١٥م فكانت الأشد ضراوة وقذارة.. إذ ترافقت هذه الحرب مع قطع المرتبات وارتفاع الأسعار وإنهيار العملة المحلية وإغراق عدن وحضرموت على وجه الخصوص بـ “النازحين” من الشمال ومن القرن الأفريقي…الخ.
أسوأ ما في هذه الحرب أن من يخوضها ضد شعب الجنوب هو نفسه من بيده القرار والوسائل والأدوات لحل كل مشاكل الخدمات والمرتبات وغيرها.
وأسوا من كل ذلك المحاولات المتكررة لمقايضة هذه الخدمات الضرورية والطبيعية مقابل التنازل عن أهداف وطنية وقيمية وإنسانية.