العاصمة عدن/مكتب الإعلام/كتب: أحمد محمود السلامي:
تأسست محطة عدن للخدمات الإذاعية ( Aden Broadcasting Services) في 7 أغسطس 1954م ، تحت إشراف إدارة العلاقات العامة والنشر في حكومة مستعمرة عدن ، وكان مديرها في تلك الفترة المستر نايجل واطس .
71 سنة مرت على تأسيسها ، العشرة السنوات منها قطع اثيرها وصمت صوتها وأغلقت ابوابها وتبعثر كل شيء جميل فيها ، وهام كوادرها ونجومها في غابات من القهر والحسرة والالم والتشرد . وحتى يعود اثيرها ويصدح صوتها بكل قوة ” هنا عدن ” ، سنظل اوفياء لأننا الإذاعة ، نطالب ونكتب ونتذكر ، وننبش كنوز الماضي بكل فخر واعتزاز . في ارشيفي مجموعة لابأس بها من احاديث الرعيل الاول للإذاعة في فترات متفاوتة .
نبدأ بحديث مذيعة الزمن الجميل الاعلامية والمثقفة فوزية عمر .. حيث تروي متى وكيف التحقت بإذاعة عدن . تحت عنوان ” قصتي مع الإذاعة ” نشرته في اغسطس عام 1965م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصتي مع الاذاعة
بقلم فوزية عمر
في عام ١٩٥٦ بدأت قصتي مع الإذاعة .. كنت قد تركت المدرسة مضطرة بعد ان اصر والدي رحمه الله على ذلك ، فوجدت نفسي وانا حبيسة البيت انني لا أملك سوى الاستماع الى جهاز الاستقبال “الراديو ” اطوف به العالم من مشرقه الى مغربه ، وكان هـو يحملني معه عبر الاثير متنقلاً بي من بلد الى بلد ، وأصبحت سميعة إذاعية غصباً عني .. وكما انه لكل واحد قلب واحد ، فقد اصبحت أكرر زياراتي الى القاهرة بأن احول المؤشر الى موجات الضبط المطلوبة واستمع كل وقتي الى العديد من البرامج الناجحة التي تقدمها اذاعة القاهرة للمستمع بكل سخاء ورحابة صدر .. كنت اعرف موعد اي برنامج فيها وكنت اشترك في المسابقات من دون ان اشترك ، أي انني كنت اكتب الحلول واحتفظ بها لنفسي الى ان تظهر النتيجة فأما انبسط ، او اصاب بخيبة ظن بنفسي ، واحمد الله ان خيبة الظن لم تكن تزورني الا نادرا ، وكنت اتأثر لقراءة نشرات الاخبار بتلك الاصوات النسائية الجميلة ، النشرات التي لا تنقصها إلا الموسيقى ، فتغني بأعذب الالحان واجمل الاصوات ، فأصبحت كأي انسان يجد نفسه احيانا يغني لفنان ما ، اصبحت احاول تقليد قراءة هذه الاخبار بالسر .. بل كنت احفظ فقرات كاملة بالغيب واقولها دون الاستعانة بورقة ، وكثيرا ما كنت امسك بصحيفة ما وأقراؤها وكأنني أقرأ نشرة أخبار ، ولكن بيني وبين نفسي ، اذ كنت اخاف ان يسمعني احد افراد المنزل ويسخر مني وفي احدى المرات قفشني اخي الاكبر « احمد » فأصر على سماعي مرات .. حتى ابي رحمه الله كان يأتي إليَ بالصحف التي تحمل أنباء هامة ويرفض قراءتها الا بصوتي . وكان هذا خير مشجعا لي في ان اسلك نفس الطريق ولا ادري كيف عرض علي اخي احمد ان أقرأ قصة في الاذاعة ولا أدري كيف ذهبت وسجلت ووقفت أمام الميكرفون لأول مرة في حياتي ولكني اذكر ان السيد احمد زوقري من ادارة العلاقات العامة والنشر هو اول من قام بتسجيل قصة في الاذاعة بل كان يشجعني ويمدني هو بالمواد المكتوبة اترجمها انا قراءة بصوتي للناس من خلال الميكرفون وكنت مجرد آنسة عدنية .
دفعتني تجاربي لان اكتب أول قصة لي بعد وفاة والدي فكانت بعنوان « اين أبي ” و استطعت ان اسجلها للاذعة وأذيعت ، الشيء الذي جعلني لا اكف عن مزاولة كتابة القصة القصيرة ، وكنت ايضا انشر قصصي في الصحف ولا انسى ثقة السيد زوقري الذي اسند الي حينها قراءة مواد كثيرة للإذاعة بل ان اختارني لتقديم ثاني حلقة من برنامج اخترت لكم الذي قدم هو الحلقة الاولى منه ، واذكر انني اخترت مما اخترت اغنية لسالم احمد بامـدهــف “عرائس اللحن ” و ” سل فؤادي الحزين” لمحمد سعد عبدالله .
كثر ترددي على الاذاعة لمدة ثلاث سنوات حببتني للعمل فيها ، وكنت في زيارة لمنزل السيد «علي محمد لقمان» الذي اخذ يثني على صوتي ، فسألني لماذا لا اعمل في الاذاعة ؟ وفعلا اخذني الاستاذ علي الى المستر « ناجيل واطس » ضابط العلاقات العامة والنشر في ذلك الحين ، الذي رحب بالفكرة غير انه كان قد تعاقد مع مسس بيري للإشراف على برامج الاذاعة ، ولم انسجم معها ، وفضلت المساهمة في البرنامج العام ، وفعلا قدمت قصصاً ، وكان السيد حسين الصافي الذي تولى حين ذاك منصب ضابط الاذاعة مشدداً في موضوع اللغة ، وقد دفعني ذلك الى الدراسة في الصفوف المسائية .. ومن حقه علي ان أقول انه كان رحب الصدر بل كان يساعدني في كتابة بعض القصص ، ثم جاء برنامج المرأة اليومي وكنت احدى المساهمات المنتظمات فيه ، وكانت لي برامج اسبوعية وبدأت اتعلم بالعمل ، واخرجت برامجا بنفسي ثم ذهبت الى القاهرة ودرست في مدارسها ، ثم درست فن الاذاعة لمدة ستة اشهر في المعهد العالي الاذاعي ، نلت بعدها الشهادة الاذاعية التي تثبت صلاحيتي للعمل الاذاعي .. عدت الى عدن لاصطدم بنفس العقبة ! هناك وظيفة شاغرة في الاذاعة غير انه علي ان انتظر حتى يعلن عنها واتقدم مع غيري ، فعملت مساهمة ، ثم تقدمت للوظيفة مع عدد كبير من الشبان ، وقد اختارت لجنة الخدمة العامة اثنين منا انا وعبد المجيد غانم ، وتوجهنا للإذاعة للاختبار الصوتي واللغة ، ووقفت أمام لجنة من الاذاعيين هم : منور الحازمي ، علوي السقاف ، عبد الحميد سلام ومحمد عمر بلجون ، و ابوبكر العطاس ، وكنت واثقة من نفسي وفعلا اختاروني و بدأت اعمل فعلا ، وتوليت مسئولية عدد من البرامج وقرأت نشرة الاخبار .. وبعد الانتهاء من قراءة اول نشرة تثلجت اطرافي وشعرت برغبة في البكاء وانـا اضحك .