فعالية لأدباء الجنوب فرع عدن تسرد تاريخ الشاعر الكبير سعدي يوسف في عدن

العاصمة عدن “مكتب الإعلامعـــلاء عــادل حـــنش:

 

نظم اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع العاصمة الجنوبية عدن، بالتنسيق مع نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، فعالية ثقافية بعنوان (سعدي يوسف العدني)، اليوم الإثنين 25 سبتمبر/أيلول 2023م، في مقر النقابة الكائن بمديرية التواهي في العاصمة عدن.

وبدأت الفعالية الثقافية، بحديث مقتضب للشاعر شوقي شفيق، الذي ادارها بامتياز، عن سعدي يوسف العدني، وتاريخه، باعتبار الأول أحد المعاصرين لفترة الراحل سعيدي.

والقى الشاعر شوقي عدد من القصائد الخاصة بالراحل سعدي يوسف العدني.

بعدها، تحدث باستفاضة، الصحافي الجنوبي، الشاعر نجيب مقبل، عن مراحل حياة سعدي بالقول: “لا يدور الحديث عن الشاعر الراحل الكبير سعدي يوسف إلا بمقدار ما يكون الحديث مخصوصًا عن المنافي التي مرت في حياته، والمدن التي استوطنت حياته وصاغت ملاحمه الشعرية وأثرت في صياغته ورؤاه وتيمات واستلهامات قصائده طوال أكثر من خمسة عقود من المنفى القهري”.

وأضاف: “كانت ثمة ظلال يوتوبيا ثورية تحت سماء عدن، وجدها الشاعر سعدي في عيون نخبة سياسية مثقفة من نخب الحزب الاشتراكي وجلهم من بقايا نخبة حزب الشعب التقدمي الذي كان رائده المفكر اليساري الراحل عبد الله باذيب، ومن هذه النخبة (أحمد سعيد باخريبة، وزكي وفريد بركات، وأحمد وعبدالله سالم الحنكي)، وآخرون من مثقفي الحزب ونخبته”.

وتابع: “كانت لقاءاته بهذه النخبة اليسارية وحواراته معها ضمن زيارته الأولى لعدن عام 1981م، قد منحت الشاعر التائه في فلوات العالم المتلاطمة بين معسكري الشرق والغرب صورة مخيالية ليوتوبيا ثورية متخلقة على هذه الأرض العدنية العذراء”.

 

*عدن.. استراحة محارب

وأشار إلى انه: “حين جاءت ضرورة رحيل سعدي جبرًا من بيروت المحتلة عام 1982م، كان استعداده لجعل عدن استراحة محارب له يجترح مآثرها بالحياة والسياسة والشعر وبمجموع هذه التداخلات التصورية صار الشاعر مكتملًا في تصور الرحيل إلى منفى جديد، وقابلًا لانتقال مكاني وتاريخي وحلمي يحياه ويعايشه عن قرب، بالإضافة لما تراكم من المخيال الحضاري لحضرموت الحضارة، فكانت أصداء وترجيعات الشاعر امرؤ القيس ودمونه الحضرمية تعاوده من أصلاب التراث الشعري العربي”.

وأكد مقبل على أن للشاعر سعدي مخزونًا تذكاريًّا ساهم باتخاذ قرار الذهاب إلى عدن التي يتسابق كتاب العالم لاكتشافها.

واستطرد: “هذه المرجعيات المتلقاة في ذاكرة ووعي الشاعر، قد منحت الشاعر سعدي قدرًا من جاذبية الرحيل إلى عدن البكر، لتلمس عذرية المكان وصدى التاريخ وحلم العصر اليوتوبي الثوري”.

 

*منحة قدرية

وأكمل: “كانت عدن منحة قدرية لشاعر متلاطم كي ينوع ذاته وينقذها من الملل الثقافي والإبداعي الذي كان يحاربه بكل وعي ودون هوادة، ويبتعد عن سوط السلطان وبقايا آثار الزنازين، وبدؤوا وجع الخروج من بيروت، لينقل حقيبة الترحال دون وجل أو حسابات إلى يوتوبيا منتظرة في عدن”.

وأشار إلى ان: “زيارة سعدي الأولى لعدن عام 1981م، وحواراته مع النخبة المثقفة وتعرفه على (بحر عدن، وساحل أبين، وساحل جولدمور، وحضرموت، والتواهي) وتتبعه لأرض الحضارة والتاريخ وآليات الشعر العربي، منحت قدرًا من تقدير زاوية البوصلة جنوبًا، حيث ينتظر أن يجد الحلم الثوري موقعه من التحقق”.

وأكد مقبل على أن: “جبرية الرحيل من بيروت 1982، لا تقلل من عفوية الاختيار لجعل عدن سماء جديدة لمكوث الشاعر سعدي تحت سقفها في المكان والتاريخ واليوتوبيا”.

وقال: “جاء سعدي إلى عدن، تلك المدينة القابعة في الركن الغربي من قارة آسيا، منفيًّا من بيروت الجريحة والمحتلة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وخروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، وعلى رأس المغادرين الشهيد القائد الفلسطيني ياسر عرفات”.

وأضاف: “عندما جاء سعدي لعدن كمحطة جديدة ونقل حقائب الترحال إليها بعد معاناة الغزو الإسرائيلي للبنان واجتياح بيروت وانهيار اليوتوبيا الثقافية التي عاشتها بيروت وعاش الشاعر حلمها الجميل حتى نهاياته على وقع دبابات وجنازير الاحتلال الإسرائيلي، لم تكن تساوره مشاعر التعالي والاستعلاء بمخملية رغد العيش وأن ينتقل إلى مدينة أقل شأنًا في صناعة ثقافية”، منوهًا بأن: “سعدي جاء لعدن، ربما محمّلًا باستعادات سياسية لدولة تنهج المسار الاشتراكي، جاءها متواضعًا بحلمه واشتراطاته للإقامة، وربما كان حالمًا بالمساهمة بصناعة ثقافية في هذه المدينة الصغيرة المتواضعة التي تعيش هذا الحلم اليوتوبي الثوري، وهذا ما صار”.

وتابع: “كان من حظ سعدي يوسف في عدن 1982م، أن كانت سياسيًّا في طريق الانفتاح في مختلف المجالات، والتفلت من القبضة الحديدية لحكم الحزب الحاكم.. بل إن من الإنصاف القول إنه كان في استقبال الرحال الثوري سعدي يوسف، شخصية صحفية وثقافية مقربة من الرئيس علي ناصر محمد، ولديه أحلام ثقافية كامنة ومتحررة من التزمت وصاحب مغامرات غير محسوبة بالنسبة للوضع السياسي والثقافي القائم في عاصمة الجنوب (عدن)، ونقصد بذلك الشهيد أحمد سالم محمد (الحنكي)، الذي خرج من منصب مدير تحرير صحيفة “14 أكتوبر” بعد مغامرة له في تجاوز التابو السياسي المتزمت، ونشر مواد صحفية خارجة عن الالتزام السياسي القائم”.

 

*مشروع ثقافي

وقال مقبل: “اللقاء بين الشاعر الثائر والمبدع القادم من موطن الثقافة والقراءة والشعر (بغداد)، ومن عاصمة الثقافة والصحافة العربية بيروت مع الحالم الجنوبي المغامر والطامح في أحداث تجربة ثقافية رائدة (أحمد سالم الحنكي)، كان قصة يجب أن تروى.. فتحت لواء هذين الرجلين، وُلِدت مؤسسة دار الهمداني للطباعة والتأليف والنشر والترجمة، (الهمْداني)، فقد كان لدى الحنكي رغبة في إحداث مشروع ثقافي مغامر بالقياس للوضع السياسي القائم بتأسيس دار للنشر تكون أساسًا لنشر الثقافة والأدب والترجمة بمختلف اتجاهاتها وتنويعاتها السياسية والأيديولوجية، ودون قيود وتحت سماء حرية الكتابة والإبداع”.

وأضاف: “كان سعدي رأس هذا الرهان، حيث عين مستشارًا ورئيسًا غير متوج لهذه الدار الرائدة التي يقف على رأسها الحنكي مديرًا عامًّا، فصارت هذه الدار بعقلية سعدي الثقافية ومراسه وتجربته العميقة بعواصم الثقافة العربية، وبالإرادة الحديدية التي كان يتمتع بها الحنكي في نفض غبار المطابع التقليدية، وجعلها أداة لصناعة ثقافية وإبداعية مميزة، رغم اعتراض وتمنع وخوف بعض الفنيين المخضرمين من فشل المطابع عن أداء هذه المهمة”.

وأكد أن: “دار الهمداني صارت مركزًا لصناعة الكتاب والصحافة، ونقطة لقاء إبداعي للأدباء والشعراء والصحفيين الحالمين بصناعة ثقافة وأدب غير مقيدين بالأيديولوجيا والسياسة الجامدة، وسعيا نحو نهوض ثقافي تحت فضاء حر وواسع المدى، يكسر حاجز الأيديولوجي والحزبي، وينتصر للثقافي من سطوة السياسي”.

وأشار إلى أن: “الراحل سعدي كان يتشارك مع منتسبي الدار، كل في مجاله من صحفيين ومثقفين وعمال فنيين ومخرجين فنيين، ويسكب عصارة جهده ولب إبداعه ومخرجات تجاربه ليصوغ أجمل تجربة ثقافية عاشتها عدن في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي.. لقد كان من حظي الجميل أن أكون مجايلًا له المغامرة الثقافية ومعايشًا لحظاتها الممتعة والاستثنائية الخالدة بقاموس حياتي الشخصي والإبداعي”.

 

*حوارات

واسترسل مقبل بحديثه بالقول: “وتحت سقف دار الهمداني وأروقتها وممراتها الترابية، وفي مكتبه أو مكتب الأستاذ الحنكي أو غيرهما، كانت تدور حوارات بعضها سريعة التداول، وبعضها الآخر يطول الحديث فيها.. ومما أتذكره من هذه الحوارات أوجز ما تسعفني الذاكرة منها، وكلها علامات مضيئة بالطريق الإبداعي والثقافي لنا، فقد شدني ما رأيت في الشاعر الكبير سعدي وهو يتتبع كتاباتنا الشعرية نحن الشعراء الشبان دون كلل أو تعالٍ، وعندما سألته عن ذلك أجاب: (أقرأ أشعاركم وأتأملها بعمق حتى أتعرف على ماهية كتابتها، وأواظب على متابعتي لكم ولغيركم من الشعراء الشبان، حتى لا أفقد إيقاع الزمن الذي تعيشونه، فأفقد إيقاعي ويتجمد عن مجاراة التجديد في زمنكم!)”.

 

*مداخلات

بعدها، شهدت الفعالية الثقافية، التي حضرها نقيب الصحافيين الجنوبيين، الأستاذ عيدروس باحشوان، ورئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع العاصمة عدن، المؤرخ نجمي عبد المجيد، وعدد من أعضاء النقابة، ورؤساء دوائر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع عدن، وعدد من المثقفين والأدباء الجنوبيين، شهدت مداخلات قيمة اشادات في مجملها بالفعالية، وبتاريخ الراحل سعدي يوسف العدني.