“مكتب الإعلام” وكالات:
عزَّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ثاني محطات جولته الآسيوية، مسار إحياء التحالفات القديمة لبلاده، وتجديد آليات التنسيق مع شركاء تقليديين عبّروا عن دعم لمواقف موسكو في المواجهة المتفاقمة حالياً مع الغرب.
وفي فيتنام، التي وصلها بعد زيارة لافتة إلى كوريا الشمالية أثارت قلق بلدان غربية، تعمّد بوتين تأكيد سعي موسكو وهانوي لتعزيز التعاون الواسع، في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي نصّت عليها المعاهدة الروسية الفيتنامية للصداقة والتعاون، المبرمة منذ ثلاثة عقود.
وأكد البيان الثنائي، الصادر في ختام جولة المحادثات المطوّلة التي عقدها بوتين مع الرئيس الفيتنامي تو لام، «استقلالية العلاقات بين البلدين وتطابق مواقفهما الدولية، وعزمهما مواصلة التعاون في كل المجالات».
وشدد على «مواصلة تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، مؤكداً أن العلاقات بين البلدين لا تخضع لتغيرات الظروف الجيوسياسية، وتهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار والأمن. وأكد أن الطرفين يتبنيان «مواقف قريبة جداً أو متطابقة تجاه الملفات الدولية والإقليمية».
على الصعيد الثنائي أكد الطرفان دعمهما «التطوير المستمر للتعاون في صناعة النفط والغاز والطاقة والتقنيات الرقمية».
ومع هذه المجالات شدد البيان بشكل منفصل على أن «التعاون في مجال الدفاع والأمن يحتل مكانة خاصة في العلاقات الروسية الفيتنامية»، مؤكداً أن هذا التعاون غير موجّه ضد دول ثالثة.
كما جرى تأكيد أهمية زيادة الاستثمارات المتبادلة، بما في ذلك في مجال الفلزات والتعدين. وتعهّد الجانبان بالإسراع في تنفيذ مشروعات استراتيجية متفق عليها، بينها اتفاق إنشاء مركز للعلوم والتكنولوجيا النووية في فيتنام.
اللافت أن التعاون في المجال النووي حظي باهتمام خاص من جانب بوتين الذي استبَق زيارته بنشر مقالة في وسائل الإعلام الحكومية الفيتنامية أكد فيها التزام بلاده بهذا المسار.
وكتب بوتين، في مقالة لصحيفة «نيان زان»، الرسمية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي، بعنوان «روسيا وفيتنام.. صداقة اجتازت اختبارات الزمن»، والذي نشر «الكرملين»، على موقعه الإلكتروني، مقتطفات منه: «يجري العمل على مبادرة إنشاء مركز للعلوم والتكنولوجيا النووية في فيتنام بمساعدة مؤسسة روس أتوم (المسؤولة عن الصناعات النووية الروسية)».
وأشار الزعيم الروسي إلى أن «روس أتوم» مستعدة بشكل عام لمساعدة الشركاء الفيتناميين في تشكيل صناعة الطاقة النووية الوطنية، بما في ذلك عبر تعزيز قدرات فيتنام البشرية بهذا القطاع.
وأكد بوتين أن روسيا وفيتنام تتعاونان بشكل وثيق في المنصات الرئيسية متعددة الأطراف، وفي المقام الأول الأمم المتحدة. وأعرب عن امتنانه لفيتنام؛ لموقفها «المتوازن بشأن الأزمة الأوكرانية»، ورغبتها في المساهمة للبحث عن سبل حقيقية لحلها سلمياً.
وخلال زيارة بوتين لفيتنام، وقَّع الطرفان 15 اتفاقاً ومذكرة تفاهم بين موسكو وهانوي تشمل مختلف قطاعات التعاون؛ بما فيها الطاقة والصحة والعلوم.
واستهلّ الرئيسان، بوتين وتو لام، الشق الرسمي من المحادثات بتأكيد نيتيهما توسيع التعاون في المجالين العسكري والأمني. وقال تو لام إن بلاده تُعلق أهمية كبيرة على تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع روسيا، التي تَعدّها «إحدى أولويات السياسة الخارجية». وقال إن فيتنام «تذكر بامتنان المساعدة والدعم المتفاني الذي قدَّمه الشعب الروسي لفيتنام في كفاحنا من أجل الاستقلال».
وأضاف: «تنتهج فيتنام سياسة خارجية سلمية مستقلة ومنفردة ومتعددة الاتجاهات، لكننا، في الوقت نفسه، نُعلق أهمية كبيرة على تنمية الصداقة التقليدية مع روسيا، والشراكة الاستراتيجية الشاملة».
من جانبه أكد بوتين أن تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع فيتنام هو الآخر من أولويات روسيا على الدوام، وأشار إلى إحياء الذكرى الـ30 لإبرام معاهدة الصداقة بين البلدين. ولفت إلى استمرار تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
وكرر الرئيسان، في المؤتمر الصحافي الختامي، تأكيد أولويات تحرك روسيا وفيتنام لتجديد آليات التعاون الشامل، ومنح زخم لتوسيع التنسيق في السياسات، وفتح مجالات جديدة لعمل مشترك.
وقال بوتين، للصحافيين: «اتخذنا قرارات بشأن دعم الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وقد انتهت المحادثات بتوافق وجو من الود والثقة، وتحدثنا عن التعاون المشترك، وتطرقنا إلى أهم القضايا الإقليمية والدولية، واهتممنا بالتعاون التجاري والاستثماري».
ولفت إلى أن موسكو وهانوي أطلقتا عملاً مشتركاً لاستخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية، وإنشاء قنوات للتعاون في مجال المصارف بالعملات الوطنية.
وأشار إلى بروز «آفاق جديدة للتعامل مع الطاقة المتجددة، بما في ذلك تجديد منظومة الطاقة في فيتنام، وتنفيذ المشاريع الروسية الفيتنامية لتوليد الطاقة الكهرومائية».
وقال إن الخبراء الروس أسهموا في إنتاج ثلث الإنتاج الفيتنامي للطاقة الكهرومائية، مُذكراً بأن الطرفين يعملان على تطوير التعاون بمجال الطاقة النووية.
وتحدّث بوتين عن إنتاج مشترك على الأراضي الفيتنامية للشاحنات الروسية الصغيرة من طراز «غازيل»، وتصديرها إلى بلدان ثالثة.
كما أشار إلى توسيع التعاون في المجال الزراعي، «حيث يزداد حجم الإيرادات في مجال التقنيات الزراعية، إضافة إلى إقامة مؤسسات وشركات للمنتجات الزراعية الفيتنامية في أكثر من إقليم روسي».
في الإطار الإنساني الثقافي، كشف بوتين عن خطط واسعة لتعزيز التعاون، وإقامة أسابيع للسينما ومعارض تشكيلية واستعراضات فنية وعروض مسرحية للطرفين، فضلاً عن تطوير القطاع السياحي بشكل متبادل.
وفي السياسة الإقليمية ركز بوتين على التعاون في الأمم المتحدة والقمم الآسيوية ومنظمة «آسيان»، إضافة إلى «الاهتمام المشترك في بناء هيكل أمني جديد على مبدأ عدم استخدام القوة والحل السلمي للأزمات وعدم بناء تحالفات عسكرية في المنطقة».
بدوره أكد تو لام تعزيز وتكثيف الاستثمارات المتبادلة، والتعاون في مجالات النفط والغاز، وتهيئة الظروف المناسبة للتعاون على مستوى القطاع الخاص.
وتحدّث عن اتفاقات على توسيع التعاون في مجال الطاقة المتجددة، وفي مجالي الأمن والدفاع، وقال إن روسيا وفيتنام «تكافحان معاً التحديات القديمة والجديدة»، وتعملان على توسيع أطر التعاون في شتى المجالات.
وأكد دعوة بلاده المتطابقة مع وجهة النظر الروسية لبناء «نظام عالمي عادل قائم على ميثاق الأمم المتحدة، وحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية والسلمية، وتطبيق نظام التجارة الحرة».
اللافت أن زيارة بوتين لفيتنام مثل زيارته لكوريا الشمالية أثارت ردود فعل لدى الغرب. ونقلت وسائل إعلام حكومية روسية أن «هانوي تحدّت واشنطن عملياً عبر الاستقبال الحافل لبوتين»، وقالت إن الولايات المتحدة حاولت ممارسة ضغوط على فيتنام، ووجّهت انتقادات حادة لها، على خلفية الإعداد لهذه الزيارة.
ونقلت عن وكالة «بلومبرغ» أن فيتنام «استضافت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متجاهلة انتقادات واشنطن، ومؤكدة بذلك استمرار علاقتها مع موسكو في مواجهة رد الفعل السلبي من الولايات المتحدة».
في هذا السياق، كانت المحطة الأولى من جولة بوتين قد أثارت تحفظات غربية واسعة، خصوصاً بعد إعلان توقيع اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين روسيا وكوريا الشمالية، والتي نصّت، في أحد بنودها، على الدفاع المشترك ضد الأخطار الخارجية. وأعربت اليابان وكوريا الجنوبية عن قلق بسبب هذا التطور، علماً بأن بوتين كان قد لوَّح، في وقت سابق، بأن بلاده سوف تعمل على تسليح خصوم واشنطن وحليفاتها، وتعزيز وضع البلدان التي تواجه أوضاعاً مماثلة لروسيا لجهة العقوبات الغربية والقيود المفروضة عليها.